ترتيب الأشهر الهجرية
تُعد الأشهر الهجرية أحد أهم الركائز الزمنية في التاريخ الإسلامي. فهي لا تمثل مجرد تقويم زمني، بل تعد جزءاً مهماً من التقاليد الدينية والثقافية التي يعتمد عليها المسلمون في حياتهم اليومية، سواء في العبادات أو في تنظيم شؤونهم الحياتية. يتكون التقويم الهجري من 12 شهراً قمرياً، ويبدأ شهر مُحرّم، ويعتمد بشكل رئيسي على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، بعكس التقويم الميلادي الذي يعتمد على الدورة الشمسية.
أصل التقويم الهجري
يعود أصل التقويم الهجري إلى الهجرة النبوية التي حدثت في السنة 622م، حيث هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وقد اختار الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بداية التقويم الهجري من عام الهجرة، وذلك لتمييز السنة الإسلامية عن السنة الميلادية. ومن هنا بدأ التاريخ الهجري الذي يختلف عن التاريخ الميلادي في حسابه للسنوات والشهور.
الشهور الهجرية
التقويم الهجري يعتمد على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، والتي تستغرق حوالي 29.5 يوماً، مما يجعل الشهر الهجري أقل من الشهر الميلادي بنحو 11 يوماً. لذلك، يتغير تاريخ الأشهر الهجرية في السنة الميلادية بشكل مستمر. يتكون التقويم الهجري من 12 شهراً، وهي كالتالي:
-
محرّم:
شهر مُحرّم هو أول شهور السنة الهجرية وأحد الأشهر الحرم الأربعة التي حرّم فيها القتال. يعتبر هذا الشهر من الأشهر المقدسة في الإسلام. يتميز شهر مُحرّم بأهمية خاصة في التاريخ الإسلامي، حيث ارتبطت فيه العديد من الأحداث الكبرى. من أبرز هذه الأحداث هو مقتل الإمام الحسين في معركة كربلاء. -
صفر:
يأتي شهر صفر بعد مُحرّم، وهو الشهر الثاني في السنة الهجرية. لا يحمل شهر صفر قداسة خاصة في الإسلام مثل مُحرّم، ولكن تاريخياً كان له مكانة باعتباره أحد الأشهر التي كانت تكثر فيها الحروب في الجاهلية، وهو ما ساهم في رفع الوعي حول السلم في هذا الشهر في الإسلام. -
ربيع الأول:
هو الشهر الثالث من السنة الهجرية، ويحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين. حيث يشهد المسلمون في هذا الشهر مناسبة عظيمة وهي مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي وقع في 12 ربيع الأول. لذلك، يعكف المسلمون على الاحتفال بهذا اليوم في بعض البلدان. -
ربيع الآخر:
يأتي هذا الشهر في الترتيب الرابع بين الأشهر الهجرية. لا يحظى شهر ربيع الآخر بخصوصية كبيرة مقارنة ببعض الأشهر الأخرى في التقويم الهجري، لكنه يعد شهراً مهماً من حيث كونه أحد الأشهر التي تقع بعد أحداث المولد النبوي في ربيع الأول. -
جمادى الأول:
شهر جمادى الأول هو الشهر الخامس في السنة الهجرية. لا يرتبط هذا الشهر بمناسبات دينية خاصة، لكنه يعد من الأشهر التي شهدت بعض الأحداث التاريخية المهمة في العصر الإسلامي. -
جمادى الآخر:
يأتي هذا الشهر في الترتيب السادس بعد جمادى الأول. تاريخياً، شهدت بعض الأحداث التي ساهمت في تطوير تاريخ الأمة الإسلامية. يعبر الشهر عن فترة انتقالية في التقويم الهجري حيث ينتقل المسلمون من فصل الشتاء إلى الربيع في المناطق المناخية المعتدلة. -
رجب:
شهر رجب هو الشهر السابع في السنة الهجرية. يعد رجب من الأشهر الحرم التي حرم فيها القتال في الجاهلية والإسلام. يمتاز هذا الشهر بمكانة دينية كبيرة، حيث شهدت ليلة الإسراء والمعراج التي هي واحدة من أعظم المعجزات التي حدثت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. -
شعبان:
يأتي شهر شعبان في الترتيب الثامن. هذا الشهر يعد مقدمة لشهر رمضان المبارك. يشهد المسلمون في هذا الشهر تغيرات مهمة في حياتهم الروحية. ويستعد المسلمون في شعبان لشهر رمضان من خلال صيام بعض الأيام وقيام الليل. -
رمضان:
شهر رمضان هو الشهر التاسع في السنة الهجرية، ويعد أشهر أشهر السنة الهجرية قداسة في الإسلام. يتسم رمضان بكونه شهر الصيام، حيث يصوم المسلمون من الفجر حتى غروب الشمس. كما أن فيه تكثر العبادة من صلاة التراويح، قراءة القرآن، والصدقة. ويمثل رمضان تجربة روحية عظيمة للمسلمين، حيث يتجمعون للتعبد والتقرب إلى الله. -
شوّال:
يأتي شهر شوّال بعد رمضان مباشرة. يهدف المسلمون بعد انتهائهم من صيام شهر رمضان إلى إكمال العبادة بصيام ستة أيام من هذا الشهر، التي تُسمى “صيام الست من شوال”. وتعد هذه الأيام من أفضل الأعمال في الإسلام بعد شهر رمضان. -
ذو القعدة:
يأتي ذو القعدة في الترتيب الحادي عشر. يعد هذا الشهر من الأشهر الحرم، وقد تميز بتاريخ طويل من الأمن والسلام. في هذا الشهر، غالباً ما تكون مناسبات الحج قد بدأت بالتوافد إلى مكة المكرمة للاستعداد لشهر ذو الحجة. -
ذو الحجة:
هو الشهر الأخير في السنة الهجرية، ويعتبر من الأشهر الحرم أيضًا. يكتسب شهر ذو الحجة أهمية خاصة لدى المسلمين، حيث يقام فيه مناسك الحج، أحد أركان الإسلام الخمسة. يبدأ الحج في اليوم الثامن من ذو الحجة ويستمر حتى يوم عيد الأضحى الذي يصادف اليوم العاشر من ذو الحجة. ويعد عيد الأضحى أحد أكبر الأعياد في الإسلام، حيث يُضَحّي المسلمون فيه بالأضاحي احتفالًا وامتثالًا للسنة النبوية.
الفرق بين السنة الميلادية والهجرية
الفرق الرئيس بين التقويم الميلادي والهجري هو الأساس الذي يُحتسب عليه كل منهما. يعتمد التقويم الميلادي على السنة الشمسية التي تتكون من 365.24 يوماً، بينما يعتمد التقويم الهجري على الدورة الشهرية التي تتكون من 354.36 يوماً، أي أن السنة الهجرية أقصر بـ 10-12 يوماً من السنة الميلادية. نتيجةً لهذا الاختلاف، تتغير تواريخ الأشهر الهجرية عن السنة الميلادية بشكل دوري، ما يجعلها تتحرك في تقويم السنة الميلادية بمعدل سنة كاملة تقريبًا كل 33 سنة.
أهمية الأشهر الهجرية في حياة المسلمين
تتسم الأشهر الهجرية بمكانة دينية كبيرة في حياة المسلمين. فهي ليست مجرد أرقام تُستخدم لاحتساب الأيام والأسابيع، بل هي شهور مليئة بالعبادات والمناسبات الدينية التي يتذكر فيها المسلمون تاريخهم الإسلامي وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى الأحداث التاريخية العظيمة التي شكلت مسار الأمة الإسلامية.
مثال على ذلك، يعتبر شهر رمضان من أكثر الشهور الهجرية قداسة وأهمية في حياة المسلمين. فمن خلال صيام هذا الشهر، يشعر المسلمون بالمعاناة التي يعاني منها الفقراء والمحتاجون، مما يعزز شعور التضامن الاجتماعي.
كما أن الأشهر الهجرية مرتبطة بمناسك الحج التي تُعتبر من أركان الإسلام الخمسة، فشهر ذو الحجة يعد نقطة تحول هامة في حياة المسلم، حيث يتجمع المسلمون من جميع أنحاء العالم لأداء شعائر الحج في مكة المكرمة، ملبين نداء الله.
خاتمة
إن الأشهر الهجرية ليست مجرد تقويم زمني، بل هي جزء من الهوية الثقافية والدينية للمسلمين. فهي ترتبط بالعديد من المناسبات الهامة التي تؤثر بشكل عميق على حياة المسلمين في شتى أنحاء العالم. من خلال هذه الأشهر، يمكن للمرء أن يتعرف على تفاصيل دينية وتاريخية غنية تشكل حياة الأمة الإسلامية.
